سراب
ولماذا لم تعد يا صديقي؟ كان يكفيك شرف المحاولة. كان عليك أن تفعل ذلك، فإن ترك الأمور هكذا في أول مشكلة تأتي، ليس جيدًا أبدًا. أنت مخطئ حقًا في كل ما فعلت، وهذا هو رأيي.
وهذا رأيك أنت لا أنا، رأي من يرى من بعيد، وليس من يقف هنا في قلب مشكلته. فأنت لا تعلم كيف عانيتُ، وما عانيت قليلاً في الفترات الماضية.
لقد تعرضت لكثير من الأمور التي لا تحتمل، ناهيك عن تصرفاتها التي بدا لي منها ارتيابًا ونكرانًا لم أعهد مثله من قبل، وكأن فؤادها أصابته نيران بركان فتحجر، فما عساني أن أفعل بعد هذا!
ولقد أخبرتك من قبل أنني تحدثت معها أكثر من مرة، ولم تستجب لحديثٍ مني، ولم تسمح لأذنيها أن تسمع. تعرضت عني، قابلتني بالتجاهل والنسيان. اقتربت إليها، ثم عاودت مرة أخرى، فما كان منها إلا أن فعلت كما يفعل المهاجر إلى وطنه من غربة كان فيها. شعرت حينها ببرودة في قلبي، وارتعاشة في أطرافي، أبت كرامتي يا صديقي أن تتحمل جريًا وراء سرابٍ لا تبلغه الخطى يومًا.
لم يكن حبًا، بل كان زيفًا من مشاعر مراهقة. لم أكن وطنًا تسكن فيه، بل كنت محطة لمسافر أخذ فيها قسطًا من الراحة، حتى إذا جاء ميعاد السفر، نفض المشاعر عن فؤاده ثم ارتحل. وكأنني غبار طريق قد علق، أو ظلًا تحت أوراق الشجر ثم مرق، أو زبدٌ في بحرٍ قد ذهب جفاءً والفؤاد ها هو قد غرق.
ومن أدراك بكل هذا، فلا تحمل السواد في عينيك، فإن الأمل يحيي الفؤاد.
إن الفؤاد يا صديقي قد أفاق من أحلامه وأصبح في واقع الحال والأيام يرى، فما عاد يحلم كما كان. إن خيوط الأمل التي كانت ما هي إلا خيوط واهنة كخيوط العنكبوت. وإن الفؤاد إذا نفر فقد جاء انتهاء الخبر.
