الطريق نحو الكتابة
لقد حاولت مرات ومرات أن أعاود تحرير ما كنت كتبته من قبل؛ أعيد صياغته، وترميمه، وتنقيحه من الأخطاء. أملأ الفراغات بين السطور، وأعاود تشكيل الحروف التي تسترعي الانتباه والضبط، حتى لا يتم تأويلها حسب النطق المختلف لها.
كذلك بعض علامات الاستفهام التي لم أجد لها جوابًا حينها، وصيغ التعجب التي كانت تنتهي بها الجمل وما دلالة العجب فيها.
إلا أنني إن أكملت سطرًا، بدا لي استفهام آخر بين كلماته التوضيحية، ربما لأنني على فطرتي؟! فلا أعي ما تحتويه الكلمات متعددة الأوجه من معان وتراكيب حين توضع في نهايات الجمل. قلت: ربما!
ولربما هي الصورة التي بلغتها في سرد حكاية أو قصة بصيغة مبهمة هكذا لمقصد ما، أو تخوف من إسقاط على واقع حياة الكاتب الشخصية.
ولربما ما زلت لا أحترف صياغة الجمل سردًا وقصًا. ولربما، ما يزال النص قيد النضج ولم يكتمل نصابه بعد.
لقد تَوَرَّقَ القلق من جديد، واشتعلت نيران الحيرة والتشتت، لقد أوشكت أن تنهي ما تبقى من جمود. إن نار التردد إذا أتت على شيء جعلته كالرَّميم.
إن البساطة في المعاني والمباشرة في الكلمات تخيف كاتبها في أول الأمر، قبل أن يصبح لما يكتب لونًا خاصًا هو وحده ما يُمَيَّز به عن غيره، أو ما يحدد طريقته هو وليس تقليده لأساتذة كبار حتى يُقال عنه بليغ وذا فصاحة في القول.
وقد يلجأ البعض منا في بداياته إلى التكلف والتقعُّر بالكلمات والسرد والوصف، ظنًا منه بأن ذلك كله قد يزيد النص قوة وبلاغة، ثم بعد ذلك يتضح له جليًا أن التكلف عيب والتقعُّر نقص.
لا تتعجل، ولا تتكلف واكتب حيث تجد نفسك محبًا لما تكتب. لا تجعل من حروفك عسيرة مقيدة دون براح، أطلق عنانها دون تقيد بنقد جيد أو دونه. اكتب فقط حين تكون الكتابة حالة شعورية خالصة، وليست حروفًا جوفاء من المشاعر.
إن كثرة الكتابة وكثرة القراءة كفيلتان بأن تثقل من الكاتب، وتنضج له الحروف ومعانيها.
إن الكاتب يُخرج ما في جعبته من مرادفات وحالات ومشاهد قد مر بها أو خالطها من قبل في كتاب وخرج منها بفكرة يروضها هو على طريقته وإبداعه.
القراءة كمن يعبر ببستان يقطف منه ورودًا، ويغترف بيديه غرفة من كل نهر يمر عليه، وليست كمن يسكن أرض قحط وبور، وليس كمن يقيد نفسه بين جدران نفسه دون أن يرى لمن حوله نورًا، فمتى يخرج من صومعته تحرق عينيه نور الكون الفسيح.

